Sunday, February 13, 2011

منتصف الطريق

البداية تبدأ حين تنتهي النهاية ، وانا ابتدأت من حيث النهاية

ابتدأت بالكلام مع من ولدتني وأحبتني ،مع أمي التي رحلت منذ أكثر من ١٢ سنة

ورسمت خارطة طريقٍ جديدة لمشاعري و استجمعت خبراتي واحاسيسي ومعلوماتي في بوتقةٍ واحدة واحضرت قماشاً أبيضاً لم يلمسه إنسان وقررت بأن لا أدع أحداً يمس قلبي بعد الآن وان لا أدع إنساناً يلعب بمشاعري أو يقرر عني أو يعتبرني ساذجاً فقط لاني لا اجرح بكلامي لن أقدم أطيب ما لدي لمن لا يقدر كلامي، ولن اكتب حرفاً إلا لكي أدغدغ أعماقي وإنساني. نعم أني عطوفاً وحنوناً ووعدت أمي أبقى كذلك ولكني لن أبذر حناني ولن أرميه بين احضانٍ نهمةٍ لا تشبع لا من حنان غيري ولا من حناني.

السنوات مرت أمامي وأنا ما زلت راكضاً ورائها ووصلت إلى منتصف الطريق و لن اتطلع إلى الوراء ،فما مضى ما هو إلا ماضٍ وتاريخ لا يتغير

ولن اتطلع كثيراً على جوانبي .فما كنت يوماً حشرياً بما يفعله الآخرين وما قارنت نفسي معهم يوماً .

ولكني مصممٌ على التطلع إلى الأمام .إلى المستقبل .إلى الشمس المشرقة التي ستكون النجمة الوحيدة التي تلامس جسدي بعد الآن. إن ما تبقى من سنوات عمري سأجعل منه مهرجاناً يومياً ،آخذاً العبر مما مضى لكي لا اضطر أن ادفع الفاتورة مرتين . فأنا لا أخاف من دفعها أبداً ،ولكن من الغباء أن ندفع فاتورة عمرنا لبشرٍ مثلنا خاطئين ،زائلين ،وأنانيين.سأدفعها لرب العالمين بطريقة عيشي وتفكيري وتعاملي من الآخرين وإحترام ذاتي وتمسكي القوي في حرية تفكيري وشخصيتي وإيماني وخياراتي .

في منتصف الطريق ومن على قمةٍ جبلية أرى الأميال المتبقية أمامي وكأبٍ لاربعة أولاد أشعر بفخرٍ كبير لاني اعطيت ابنائي حرية الأختيار وهي شيءٌ مقدس بالنسبة لي ولم أجبرهم على فعل أي شيء لا يرونه مناسباً وغير منسجم مع معتقداتهم ومبادئهم الشخصية ،وبعد أن أصبح الأصغر بينهم في عمر التاسعة عشر ،أرى بأني قد نجحت كأب بمهمتي أن أعطي أطفالي الحنان والعاطفة والتربية والدعم على كل اشكاله المعنوية والمادية ولم أبخل عليهم بشيء قدرت عليه ،ولذلك أشعر بأني في منتصف الطريق لاعيش ما تبقى لي من سنوات لكي أفعل ما أريد أنا وما يعجبني أنا وبما يعطيني ألشعور بالاكتفاء فكرياً وجسدياً وذلك ليس لاني فجأةً أصبحت رجلاً أنانياً ،انما لانني تعلمت من أبي الذي مات وهو في عمري أنا الآن ،فهو كان أباً محباً ومخلصاً لعائلته ولم يتوانى للحظةٍ عن التضحية في سبيل إعالتها ولم يعطنا إلا من خزان حنانه ومحبته ولم يكن يعتبر بأن هناك أحداً غيره في هذا الكون يمكنه أن يعيل أولاده وبأن وجوده أكثر من ضروروي لبقائنا على قيد الحياة ،ولكن عندما مرض أبي لم يسترح ولم يكترث للالم ،ربما لانه لم يكن لديه أية خيارات أخرى ولكنه بقى يعمل ويقول لنا ،إن مت يوماً لن يبقى منكم أحد على قيد الحياة .فكيف ستعيلون أنفسكم وأنتم أطفال ؟ مات أبي شاباً في منتصف الطريق وتركنا مع والدتي المريضة ولكن ..لم يمت منا أحد وجميعنا نجحنا والحمدلله في حياتنا وكوننا عائلاتنا .لذلك تعلمت الدرس من أبي بأنه ليس من إنسانٍ في هذا الكون أبدياً والحاجة إليه ليست حاجةً لا تعوض من خلال إنساناً آخر . والأولاد الذين اخذوا حناناً ومحبةً وعطفاً من أهلهم ،هم أولاد يفرحون حينما يرون أهلهم يتمتعون بما تبقى لهم من سنوات و في حال إعترض أحدٌ منهم على طريقة حياتي فذلك ليس لانني أباً سيئاً ،بل لان الذي يعترض لا يعلم وليس لديه الخبرة بعد ولم يمر في التجارب التي مررت منها أنا ومن الممكن أن ينظر إلى الأمور من منظاره الشخصي وليس من منظاري أنا ،ولكن إن حصل هكذا إعتراض لن أعطيه أية إهتمام أبداً لانني لم اتصرف بشيءٍ لا أملكه ،فما زلت إنساناً لديه أحلامه وأفكاره وتطلعاته وحريته بالنسبة إليه مقدسة وذلك بالرغم من أني أباً ،فلا يمكن الخلط بين الأبوة وبين حرية الفرد ،لذلك ابتدأت مشواري بالذهاب إلى قدمي أمي للحظات لكي استجمع من عندها بعض الفتات،الحنان .وهذا الفتات هو ما تبقى لي لكي أكمل طريقي بعدما اصبحوا أولادي كباراً وأنا ما زلت أنا ذاك الأنسان الذي ما زال يحلم ويلعب ويكتب الشعر ويعشق الهواء والبحر والليل والنجوم والكواكب ويعشق الحياة بشغفٍ كبير .


No comments:

Post a Comment