Sunday, January 16, 2011

هل تشبه دماغك ؟

في الأوقات العصيبة التي يمر بها الأنسان أحياناً ،تتطور لديه قدرات وميزات لم يكن على علم بوجودها لديه ولم يكن على علم بمقدرته القوية على التحمل وعلى مستوى ورهبة الأحداث قبل حدوثها وخاصةً إن كان من نوع الأشخاص الذين يقلقون عادةً حتى من أبسط الأمور ويشغلون بالهم لدرجة مخيفة تجعلهم يرتبكون ومقيدون الأيدي والارجل معاً . لذلك عندما نكون في عين العاصفة يسري علينا جميعاً قانوناً واحداً وهو قانون البقاء على قيد الحياة وعدم الأستسلام .وهذا القانون عندما يسري لا يعارضه إلا القلائل وأكثرية البشر تطيعه فوراً بدون أي قيد أو شرط .وكما كالشخص الذي كان قبل حصول العاصفة ،شخصاً خائفاً وقلقاً ومتردداً عندما يرى دماءً أو طفلاً يصرخ من جراء اصابته في الحرب على شاشة التلفزيون ،تراه يهب لانقاذ الطفل من الخطر وإن كان مصاباً وينزف دماً ،تراه يضمد له جراحه ويحمله بين ذراعيه ولا تكون للفوبيا من الخطر التي كانت تقيده وتجعل منه إنساناً خائفاً وقلقاً اية تأثير خلال فترة انشغاله بعملية الانقاذ التي تتطلب تركيزاً واهتماماً شديداً بالامور الأشد أهمية ، وتتعجب فعلاً لروءيته في خضم المعركة كأسدٍ لا يخاف ويتصرف بواقعية وبطريقة عملية وبشجاعة مذهلة غير آبهاً لحياته بل لحياة الآخرين ،والسوآل الكبير الذي يطرح نفسه هو ماذا يحصل للدماغ في الأوقات العصيبة ؟

قبل الأجابة على السوآل علينا أن نتعرف بأسهاب شديد على طبيعة وكيفية عمل الدماغ الاعجوبة البشرية الذي بكل بساطة لديه قسمان يساري وقسم ويميني ،طبعاً ليس لهم أية علاقة في السياسة .قسماً يهتم بالامور الواقعية و العمليه ويتخذ القرارات السريعة والطارئة وقسماً آخراً يهتم بالامور العاطفية والاحاسيس والفن والموسيقى والجمال والأحلام والخيال والتخطيط للمدى الأطول . فعندما نكون في حالة إجهاد وضغط قوية يسيطر القسم الواقعي من الدماغ علينا ويجعلنا أقل حساسية وتحسساً لمشاعرنا ولخوفنا ولقلقنا ولمشاعر وخوف وقلق الآخرين ويلقي القبض على مشاعرنا ويعتقلها موءقتاً في زنزانة الطواريء لكي لا يتأثر بها خلال حالة الطواريء ونبقى هناك حتى تمر العاصفة ويربح الحرب وينتصر ومن ثم يفتح القسم العقلاني الباب للقسم العاطفي و يخرج مشاعرنا وأحاسيسنا وخوفنا من الزنزانة إلى الحرية وإلى تداعيات الحرب التي كنا مشاركين فيها بشكل باطني والتي لم يتسنى لنا أن نعبر عن مشاعرنا تجاهها بسبب الأعتقال النفسي وهذا عادةً ما يحصل للجنود الذين يشاركون في الحرب في بلدٍ آخر ومن ثم يعودون إلى وطنهم وتبدأ رحلة المعاناة للتأقلم مع ما بعد ألاحداث الذين كانوا مشاركين فيها عملياً بواسطة القسم العملي من دون أية سلطة للقسم العاطفي والأنساني على تلك التصرفات التي من الممكن أن تكون جداً غير أخلاقية أو غير إنسانية ولم تأخذ الأمور الأنسانية بعين الاعتبار لان جنرال العقل الواقعي كان الآمر والناهي في حينها .

لذلك مهما كانت الصعوبات التي نواجهها في حياتنا ، من الموءكد بأنها لن تمر مرور الكرام في حياتنا دون أن تترك بصماتها واحداثها على سجل الضيوف في دماغنا في شطريه الواقعي والعملي والأنساني والعاطفي مخلفةً ورائها آثاراً سيكون لها تأثير مهم جداً على تطور شخصيتنا وعلى سلامنا الداخلي مع أنفسنا ومع الآخرين وتطلب منا الجهد الأكبر لكي نوازن ما بين القسم العملي والقسم الأنساني لدماغنا حتى يكون هناك شيء أسمه الأنسجام ما بين ما نعتبره مهماً وما بين ما هو أهم . ففي حين كان البقاء على قيد الحياة مهماً لجندي يحارب على الجبهة ،تبقى الحياة في وقت السلام هي الأهم له ولذلك أي تصرف يقوم به إذبان الحرب لا ينسجم مع الهدف الأكبر وهو الحياة في زمن السلم ، يكون تصرف أحمق .

إن الانتصار على المصاعب والنجاح في التحديات التي تواجهنا لطالما كانت الهدف والرجاء الذي يريده البشر في سعيهم لكي يعيشو حياتهم في إنسجام وسلام والسر الكبير للنجاح يكمن في تصورنا الشخصي لما هو مهم وما هو أهم ،لان مقومات الصمود لاي شخصٍ كان تأتي من معرفته الدقيقة عن حاجاته الأساسية لمتطلبات الصمود على المديين القصير والطويل معاً ، تماماً مثل المحارب على الجبهه الذي يقوم بالدفاع عن وطنه عليه أن يتغذي جسدياً بوجبة طعام غنية بالفيتامينات والسعرات الحرارية تمكنه من الصمود جسدياً ،كذلك علي أن يتغذى عقائدياً و فكرياً لكي يتذكر لماذا هو موجود هنا على الجبهه وما هو الهدف الذي يدفعه لكي يضحي بحياته لاجله إن لزم الأمر . والمرور من الصعاب والأزمات ليس شيئاً مرغوب فيه من أحد ولكن الذي يمكنه أن يتجنب هكذا حالات دون المخاطرة بالهدف الرئيسي من حياته إن كان يعرف بالظبط ما هو هدفه ،فهذا شيءٌ حسناً ولكن . إن تطلب الأمر أن يواجه الصعاب لكي لا يخسر هدفه وقضيته في الحياة ،فكل ما يفعله الأنسان في هذا السبيل يبقى مجرد جهدٌ صغير أمام الجائزة الكبرى وهي القصد والمعنى من الحياة أن تعيش بإنسجام وتوازن مع الواقع والأحلام والأماني التي تجهد لكي تحققها ،ولكن لكي ننجح في ذلك كما ذكرت آنفاً علينا أن نتغذى جيداً وأهم المواد المغذية التي علينا تناولها هي المحبة لانفسنا وللآخرين لكي يكون دافعنا للمجابهه ليس دافعاً أنانياً ،انما دافعاً له معنى أكبر ولكي لا يكون القسم العملي في دماغنا هو وحده الذي يحركنا لكي يحل المشاكل الوقتية ولا يكون عندنا إستراتيجية إنسانية طويلة الأمد .

وكم يشبه الدماغ بقسميه العملي والعاطفي الرجل والمرأة ؟ فالرجل في أغلب الأحيان معروفٌ عنه بأنه عملي ويفكر تقنياً ،بينما المرأة الأم والحبيبة والأخت الحساسة هي العاطفة المتجسدة في جسد إنسان ،وهذا لا يعني بأن ليس هناك رجال عاطفيين وكذلك لا يعني بأن ليس هناك نساء عمليين ،ولكن عامةً هذه هي الشخصيات والادوار التي يلعبها الرجال والنساء في حياتهم . وسر النجاح للمرأة وللرجل هو نفسه سر النجاح للدماغ بقسميه عندما يتعاونان بإنسجام تام بينهما .فعندما يتعاون الرجل والمرأة في كل المجالات ويكون لكلٍ منهما دوراً محدداً يعرف كلٍ منهما مهماته سلفاً كما يعرف القسم العملي مهمته عند الخطر وعندما تطلب الأمور قرارات انقاذية لا يجلس القسم العملي ويتفاوض مع القسم العاطفي لساعات قبل إتخاذ القرار ،انما يكون هناك إتفاقاً مسبقاً على المباديء التي تحكم عمل كلٍ منهما وبطبيعة الحال يأخذ القسم العملي بعين الأعتبار الخطوط العريضة لما هو مسموح وما هو غير مسموح من قبل الطرفين لانه يعرف الخطط الطويلة الأمد التي خططها القسم الأنساني والعاطفي ويعرف بأن أي قرار موءقت إن كان لا ينسجم مع المباديء و يقف بوجه القرارات الأستراتيجية ،هو قرار خاطيء لن يفكر القسم العملي أبداً باتخاذه حتى في أقصى الظروف صعوبة ،لذلك يكون دور القسم الأنساني والعاطفي أهم بكثير من دور القسم العملي لانه القسم الذي يهتم بالامور التي تعطي للحياة مذاقاً وطعمةً ولذةً ويعطي للروح موسيقاها وللجسد رقصه وللدموع معناً ،فيا أحبابي ويا اصدقائي دعونا نتعلم من الدماغ في شطريه كيف يصنعان عقلاً وقلباً في قالبٍ واحد ويجعل منهما إنساناً يتغلب على الصعاب ويضحك على الزمن الآتي ليكون دينه ودنياه منسجمةً مع القصد الأكبر لوجودنا في الحياة.

ألان صفا


No comments:

Post a Comment